سورة الأنبياء - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)}
{لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا} كلام مستأنف مسوق لتحقيق حقية القرآن العظيم الذي ذكر في صدر السورة الكريمة إعراض الناس عما يأتيهم من آياته واستهزاؤهم به واضطرابهم في أمره وبيان علو مرتبته إثر تحقيق رسالته صلى الله عليه وسلم ببيان أنه كسائر الرسل الركام عليهم الصلاة والسلام قد صدر بالتوكيد القسمي إظهارًا لمزيد الاعتناء ضمونه وإيذانًا بكون المخاطبين في أقصى مراتب النكير والخطاب لقريش، وجوز أن يكون لجميع العرب وتنوين كتابًا للتعظيم والتفخيم أي كتابًا عظيم الشأن نير البرهان، وقوله عز وجل: {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} صفة له مؤكدة لما أفاده التنكير التفخيمي من كونه جليل القدر بأنه جميل الآثار مستجلب لهم منافع {جليلة} والمراد بالذكر كما أخرج البيهقي في شعب الإيمان وابن المنذر وغيرهما عن ابن عباس الصيت والشرف مجازًا أي فيه ما يوجب الشرف لكم لأنه بلسانكم ومنزل على نبي منكم تتشرفون بشرفه وتشتهرون بشهرته لأنكم حملته والمرجع في حل معاقده وجعل ذلك فيه مبالغة في سببيته له، وعن سفيان أنه مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال أي فيه ما يحصل به الذكر أي الثناء الحسن وحسن الأحدوثة من مكالام الأخلاق ومحاسن الأعمال إطلاقًا لاسم المسبب على السبب فهو مجاز عن ذلك أيضًا.
وأخرج غير واحد عن الحسن أن المراد فيه ما تحتاجون إليه في أمور دينكم، وزاد بعض ودنياكم، وقيل الذكر عنى التذكير مضاف للمفعول، والمعنى فيه موعظتكم، ورجح ذلك بأنه الأنسب بسباق النظم الكريم وسياقه فإن قوله تعالى: {الكتاب أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} إنكار توبيخي فيه بعث لهم على التدبر في أمر الكتاب والتدبر فيما في تضاعيفه من فنون المواعظ والزواجر التي من جملتها القوارع السابقة واللاحقة.
وقال صاحب التحرير: الذي يقتضيه سياق الآيات إن المعنى فيه ذكر فيائحكم ومثالبكم وما عاملتم به أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام من التكذيب والعناد. وقوله تعالى: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} إنكار عليهم في عدم تفكرهم مؤد إلى التنبه عن سنة الغفلة انتهى، وفيه بعد، والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أي إلا تتفكرون فلا تعقلون ان الأمر كذلك أولًا تعقلون شيئًا من الأشياء التي من جملتها ما ذكر. وقوله عز وجل:


{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (11)}
{وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ} نوع تفصيل لإجمال قوله تعالى: {وَأَهْلَكْنَا المسرفين} [الأنبياء: 9] وبيان لكيفية اهلاكهم وتنبيه على كثرتهم، فكم خبرية مفيدة للتكثير محلها النصب على أنها مفعول {لقصمنا} و{أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ} تمييز، وفي لفظ القصم الذي هو عبارة عن الكسر بتفريق الأجزاء واذهاب التئامها بالكلية كما يشعر به الإتيان بالقاف الشديدة من الدلالة على قوة الغضب وشدة السخط ما لا يخفى، وقوله تعالى: {كَانَتْ ظالمة} صفة {قَرْيَةٌ} وكان الأصل على ما قيل أهل قرية كما ينبىء عنه الضمير الآتي إن شاء الله تعالى فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فوصف بما هو من صفات المضاف أعني الظلم فكأنه قيل وكثيرًا قصمنا من أهل قرية كانوا ظالمين بآيات الله تعالى كافرين بها مثلكم.
وفي الكشاف المراد بالقرية أهلها ولذلك وصفت بالظلم فيكون التجور في الطرف، وقال بعضهم: لك أن تقول وصفها بذلك على الإسناد المجازي وقوله: {قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ} كناية عن قصم أهلها للزوم اهلاكها اهلاكهم فلا مجاز ولا حذف، وأيًا ما كان فليس المراد قرية معينة، وأخرج ابن المنذر. وغيره عن الكلبي أنها حضور قرية باليمن. وأخرج ابن مردويه من طريقه عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال بعث الله تعالى نبينا من حمير يقال له شعيب فوثب إليه عبد فضربه بعصا فسار إليهم بختنصر فقاتلهم فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء وفيهم أنزل الله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا} الخ؛ وفي البحر أن هؤلاء كانوا بحضور وأن الله تعالى بعث إليهم نبينا فقتلوه فسلط الله تعالى عليهم بختنصر كما سلطه على أهل بيت المقدس بعث إليهم جيشًا فهزموه ثم بعث إليهم آخر فهزموه فخرج إليهم بنفسه فهزمهم وقتلهم، وعن بعضهم أنه كان اسم هذا النبي موسى بن ميشا، وعن ابن وهب أن الآية في قريتين باليمن إحداهما حضور والأخرى قلابة بطر أهلهما فاهلكهم الله تعالى على يد بختنصر، ولا يخفى أنه مما يأباه ظاهر الآية والقول بأنها من قبيل قولك كم أخذت من دارهم زيد على أن الجار متعلق بأخذت والتمييز محذوف أي كم درهم أخذت من دراهم زيد، ويقال هنا إنها بتقديركم ساكن قصمنا من ساكني قرية أو نحو ذلك مما لا ينبغي أن يلتفت إليه إلا بالرد عليه، فلعل ما في الروايات محمول على سبيل التمثيل، ومثل ذلك غير قليل، وفي قوله سبحانه: {وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا} أي بعد اهلاك أهلها لا بعد تلك الفعلة كما توهم {قَوْمًا ءاخَرِينَ} أي ليسوا منهم في شيء تنبيه على استئصال الأولين وقطع دابرهم بالكلية وهو السر في تقديم حكاية إنشاء هؤلاء على حكاية مبادي اهلاك أولئك بقوله سبحانه:


{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)}
{فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا} فضمير الجمع للأهل. لا لقوم آخرين إذ لا ذنب لهم يقتضي ما تضمنه هذا الكلام، والإحساس الإدراك بالحاسة أي فلما أدركوا بحاستهم عذابنا الشديد، ولعل ذلك العذاب كان مما يدرك بإحدى الحواس الظاهرة، وجوز أن يكون البأس استعارة مكنية ويكون الإحساس تخييلًا وأن يكون الإحساس مجازًا عن مطلق الإدراك أي فلما أدركوا ذلك {إِذَا هُمْ مّنْهَا} أي من القرية فمن ابتدائية أو من البأس والتأنيث لأنه في معنى النقمة والبأساء فمن تعليلية وهي على الاحتمالين متعلقة بقوله تعالى: {يَرْكُضُونَ} وإذا فجائية، والجملة جواب لما، وركض من باب قتل عنى ضرب الدابة برجله وهو متعد، وقد يرد لازمًا كركض الفرس عنى جرى كما قاله أبو زيد ولا عبرة ن أنكره، والركض هنا كناية عن الهرب أي فإذا هم يهربون مسرعين راكضين دوابهم.
وجوز أن يكون المعنى مشبهين ن يركض الدواب على أن هناك استعارة تبعية ولا مانع من حمل الكلام على حقيقته على ما قيل:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8